بقدر سعادتى بعودة عيد الفن بعد غياب أكثر من ثلاثين عاماً بقدر صدمتى من الهرجلة والارتباك واللخبطة والسربعة واللهوجة التى نُفذ بها الحفل الذى حضره كبار رجال الدولة، ومن ضمنهم رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير الدفاع. ورغم هذا كان الإخراج أضعف وأفشل من إخراج حفل مدرسى فى مدرسة «حكومى» بمناسبة انتهاء العام الدراسى!! الفن معناه إبداع منضبط، فهل من المعقول تداخل الأصوات واضطراب الفنانين وعدم سماع الجمهور لمعظم شعر جمال بخيت الرائع ولخبطة الكورس وضعف تنفيذ الهولوجرام واختيار فقرات من احتفال ستوديو مصر لا علاقة لها بالموضوع والاختيار السيئ للأغانى وغياب الاستعراض المبهر ورداءة الديكور وبهرجة الإضاءة وخرس أجهزة الصوت... إلى آخر كل هذا الترهل الفنى الذى لم أصدق أن هذا هو الأداء الذى سيترجم فرحة الفنانين بعيدهم الغائب، ترهل فن عكس وترجم ترهل بلد، غياب ثقافة البروفة وطغيان ثقافة الاستسهال، كنا ونحن صغار نرى ونسمع عن بروفات عبدالحليم قبل حفل شم النسيم والتى كان يقيمها فى شقته عشرات المرات لمزيد من التجويد، كنا نسمع عن بروفات أم كلثوم فى استوديوهات الإذاعة والتى كان يحضرها كل موسيقيى الفرقة والملحن حتى تخرج لنا أغانيها بهذا الإتقان، كنا نسمع عن بروفات اسمها بروفة الترابيزة قبل أى عمل فنى حتى ولو كان مسلسلاً إذاعياً، ولكننا الآن نسمع عن ممثل يقرأ دوره لأول مرة داخل لوكيشن التصوير وممثلة تجعل اللبيسة تحفّظها الدور وهى تتناول المحشى فى الاستوديو!! غياب ثقافة الإتقان والتجويد هو السائد فى مصر الآن، أقول مبروك ولكنها «مبروك ناقصة»، مبروك بطعم العتاب لأسرة الفن والفنانين التى للأسف غاب عنها فى هذا الحفل معنى الإخلاص والانضباط ومحراب الفن ورهبنة الإبداع، كنت أتمنى أن أحس فى إخراج الحفل بطعم ثقافة يوسف شاهين ووسوسة حسين كمال وانضباط المكرم المحتفى به عز الدين ذو الفقار وبساطة ولماحية ابن البلد صلاح أبوسيف وإثارة وترقب كمال الشيخ وخفة دم حسن الإمام وشياكة ورشاقة أحمد مظهر، لكنى للأسف أحسست أن تنفيذ الحفل يعكس جو أفلام السبكى التى تحطم الإيرادات وتحطم معها تذوقنا الفنى وذوقنا الإبداعى، أحسست وكأننى للأسف أردد مع المتنبى «عيد بأية حال عدت يا عيد.. بما مضى أم بأمر فيه تنكيد علينا وعلى محبى الفن؟!